هاااااااااااااااااااااااااااااااااااى
صحراحة دية اول ماركة لية ف المنتدى واتمنى انى اكون حد خفيف عليكم
واتمنى انكم تقبلونى فى جروبكم الجميل ودى اول مشاركة لية ورب تكون مش مكررة
الحمد لله الذي أبان الطريق للسالكين ، وأرسل رسوله بالهدى والكتاب المبين ، لينذر قوما ما اتاهم من نذير ، فهو للمؤمنين بشير ، لغيرهم منذر بحساب عسير ، والصلاة والسلام على محمد النبي الامى الامين ، رافع الاصر والاغلال ، الداعى إلى خير الاقوال والاحوال والافعال ، خير الانبياء مقاما ، وأحسنهم كلاما ، مسك ختامهم ، ولبنة تمامهم
أما بعد ،،، فنحن على اعتاب سيرة رجل من حفاظ السنة ، من حراس حدود الحديث النبوي الشريف ، إننا مع الامام الفتي ، الإمام المرضي، والورع الدري، أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري
اسمه ونسبه
سفيان ابن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبدالله بن موهبة بن أبي ابن عبدالله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثورابن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وكذا نسبه ابن أبي الدنيا عن محمد بن خلف التيمي، غير أنه أسقط منه منقذا والحارث، وزاد بعد مسروق حمزة، والباقي سواء.
وكذلك ذكر نسبه الهيثم بن عدي، وابن سعد، وأنه من ثور طابخة، وبعضهم قال: هو من ثور همدان، وليس بشئ.
هو شيخ الاسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه، أبو عبدالله الثوري الكوفي المجتهد، مصنف كتاب " الجامع ".
ولد سنة سبع وتسعين اتفاقا، وطلب العلم وهو حدث باعتناء والده المحدث الصادق: سعيد بن مسروق الثوري، وكان والده من أصحاب الشعبي، وخيثمة بن عبدالرحمن، ومن ثقات الكوفيين، وعداده في صغار التابعين.
روى له الجماعة الستة في دواوينهم، وحدث عنه أولاده: سفيان الامام، وعمر، ومبارك، وشعبة بن الحجاج، وزائدة، وأبو الاحوص، وأبو عوانة، وعمر بن عبيد الطنافسي، وآخرون.
ومات سنة ست وعشرين ومئة.
ذكر طرف من شيوخه
إبراهيم بن عبدالاعلى، وإبراهيم بن عقبة، وإبراهيم بن محمد بن المنتشر، وإبراهيم بن مهاجر، إبراهيم بن ميسرة، وأيوب السختياني، وأيوب بن موسى، والبختري بن المختار ، وبشير أبو إسماعيل، وبشير صاحب ابن الزبير، وبكير بن عطاء، وبهز بن حكيم، وبنان بن بشر ، وجعفر الصادق، وجعفر بن ميمون، وحبيب بن أبي ثابت - وهو من كبار شيوخه - وحبيب بن الشهيد، وحبيب بن أبي عمرة، وحجاج بن فرافصة، والحسن بن عبيدالله ، وزياد بن علاقة، وهو من كبار مشيخته - وزيد بن أسلم ، وسليمان الاعمش، ، وشريك بن أبي نمر، وشعبة بن الحجاج ، وأبو الزناد عبدالله، وابن جريج، وعمر ابن يعلى، وعمرو دينار ، وعمرو بن مرة - وهو من قدماء شيوخه - وعمرو بن ميمون بن مهران، وهشام ابن عروة ، ويحيى بن سعيد الانصاري ، وغيرهم كثير .
ويقال: إن عدد شيوخه ست مئة شيخ، وكبارهم الذين حدثوه عن أبي هريرة، وجرير بن عبدالله، وابن عباس، وأمثالهم
طرف من الرواة عنه
الرواة عنه، فخلق، فذكر أبو الفرج بن الجوزي أنهم أكثر من عشرين ألفا، قال الذهبي : وهذا مدفوع ممنوع، فإن بلغوا ألفا، فبالجهد، وما علمت أحدا من الحفاظ روى عنه عدد أكثر من مالك، وبلغوا بالمجاهيل وبالكذابين ألفا وأربع مئة.
حدث عنه من القدماء من مشيخته وغيرهم خلق، منهم: الاعمش، وأبان بن تغلب، وابن عجلان، وخصيف، وابن جريج، وجعفر الصادق، وجعفر بن برقان، وأبو حنيفة، والاوزاعي، ومعاوية بن صالح، وابن أبي ذئب، ومسعر، وشعبة، ومعمر - وكلهم ماتوا قبله - وإبراهيم بن سعد، وأبو إسحاق الفزاري، وأحمد بن يونس اليربوعي، وأحوص بن جواب، وأسباط ابن محمد، وغيرهم خلق كثير
مكانة سفيان
للثوري منزلة خاصة عند المسلمين عامة وأهل العلم والحديث خاصة، فلقد كان الإمام الثوري كلمة إجماع بين العالمين، لم يختلف عليه اثنان، ولم يؤثر عن أحد من المسلمين مهما كان حاله، أنه نال الثوري بكلمة ذم أو انتقاص، فهو من سادات المسلمين ومن الأئمة الأعلام المتبوعين، ولقد ظل مذهبه واختياراته الفقهية والعلمية معمولاً بها حينًا من الدهر، ولو وجد الثوري من التلاميذ والأتباع من يقوم بمذهبه وعلمه، لظل مذهبه قائمًا حتى الآن ومن ضمن المذاهب المتبوعة المعروفة ولكنه مثل الليث بن سعد وأبي ثور والأوزاعي وغيرهم من الأئمة الذين لم يجدوا من يقوم بهم وينشر علمهم
قال يحيى بن أيوب العابد: حدثنا أبو المثنى قال: سمعتهم بمرو يقولون: قد جاء الثوري، قد جاء الثوري.
فخرجت أنظر إليه، فإذا هو غلام قد بقل وجهه - أ ي خرج شعر وجه .
قال- الذهبي - : كان ينوه بذكره في صغره من أجل فرط ذكائه وحفظه، وحدث وهو شاب.
قال عبد الرزاق وغيره، عن سفيان، قال: ما استودعت قلبي شيئا قط فخانني.
قال- الذهبي -: أجل إسناد للعراقيين: سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله.
وقال شعبة، وابن عيينه، وأبو عاصم، ويحيى بن معين، وغيرهم:
سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث.
وقال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومئة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان.
وعن أيوب السختياني قال: ما لقيت كوفيا أفضله على سفيان.
وقال البراء بن رتيم : سمعت يونس بن عبيد يقول: ما رأيت أفضل من سفيان.
فقيل له: فقد رأيت سعيد بن جبير، وإبراهيم، وعطاء، ومجاهدا، وتقول هذا ؟ ! قال: هو ما أقول، ما رأيت أفضل من سفيان.
وروى وكيع، عن شعبة، قال: سفيان أحفظ مني.
وقال عبد العزيز بن أبي رزمة: قال رجل لشعبة: خالفك سفيان.
فقال: دمغتني.
وقال ابن مهدي: كان وهيب يقدم سفيان في الحفظ على مالك.
وقال يحيى القطان: ليس أحد أحب إلي من شعبة، ولا يعدله أحد عندي.
وإذا خالفه سفيان، أخذت بقول سفيان.
وقال عباس الدوري: رأيت يحيى بن معين، لا يقدم على سفيان أحدا في زمانه، في الفقه والحديث والزهد وكل شئ.
وقال ابن مهدي: رأى أبو إسحاق السبيعي سفيان الثوري مقبلا: فقال: (وآتيناه الحكم صبيا) [ مريم: 12 ].
وقال أبو قطن، عن شعبة: ساد سفيان الناس بالورع والعلم.
يعقوب الحضرمي: سمعت شعبة يقول: سفيان أمير المؤمنين في الحديث.
وعن ابن عيينة قال: ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري.
وعن ابن المبارك قال: ما نعت لي أحد، فرأيته إلا وجدته دون نعته، إلا سفيان الثوري.
وقال أحمد بن حنبل: قال لي ابن عيينة: لن ترى بعينيك مثل سفيان الثوري حتى تموت.
وعن حفص بن غياث قال: ما أدركنا مثل سفيان، ولا أنفع من مجالسته.
وقال محمد بن عبدالله بن عمار: سمعت يحيى بن سعيد يقول: سفيان أعلم بحديث الاعمش من الاعمش.
وقال أبو بكر بن عياش: إني لارى الرجل يصحب سفيان، فيعظم في عيني.
وعن يحيى بن معين قال: ما خالف أحد سفيان في شئ، إلا كان القول قول سفيان.
قال أبو قطن: قال لي شعبة: إن سفيان ساد الناس بالورع والعلم.
طرف من حياة سفيان
كانت له النكت الرائقة، والنتف الفائقة، مسلم له في الإمامة، ومثبت به الرعاية، العلم حليفه، والزهد أليفه.
روى موسى بن العلاء عن حذيفة المرعشي، قال: قال سفيان: لان أخلف عشرة آلاف درهم، يحاسبني الله عليها أحب إلي من أن أحتاج إلى الناس.
وقال رواد بن الجراح: سمعت الثوري يقول: كان المال فيما مضى يكره، فأما اليوم، فهو ترس المؤمن.
وقال عبدالله بن محمد الباهلي: جاء رجل إلي الثوري يشاوره في الحج، قال: لا تصحب من يكرم عليك، فإن ساويته في النفقة، أضربك، وإن تفضل عليك، استذلك.
ونظر إليه رجل، وفي يده دنانير، فقال: يا أبا عبدالله ! تمسك هذه الدنانير ! ؟ قال: اسكت، فلولاها لتمندل بنا الملوك.
قال الذهبي رحمه الله : قد كان سفيان رأسا في الزهد، والتأله، والخوف، رأسا في الحفظ، رأسا في معرفة الآثار، رأسا في الفقه، لا يخاف في الله لومة لائم،
من أئمة الدين، واغتفر له غير مسألة اجتهد فيها، وفيه تشيع يسير، كان يثلث بعلي ، وهو على مذهب بلده أيضا في النبيذ ، ويقال: رجع عن كل ذلك.
وعن عبدالرحمن بن مهدي: سمعت سفيان يقول: ما بلغني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث قط إلا عملت به، ولو مرة.
وعن يحيى القطان: سمعت سفيان يقول: إن أقبح الرعية أن يطلب الدنيا بعمل الآخرة.
وعن ابن مهدي: كنا مع الثوري جلوسا بمكة، فوثب وقال: النهار يعمل عمله.
وعن أحمد بن يونس: سمعت الثوري ما لا أحصيه يقول: اللهم سلم سلم، اللهم سلمنا، وارزقنا العافية في الدنيا والآخرة.
وقيل: إن عبد الصمد عم المنصور، دخل على سفيان يعوده، فحول وجهه إلى الحائط، ولم يرد السلام، فقال عبد الصمد: يا سيف ! أظن أبا عبد الله نائما.
قال: أحسب ذاك - أصلحك الله - فقال سفيان: لا تكذب، لست بنائم.
فقال عبد الصمد: يا أبا عبدالله ! لك حاجة ؟ قال: نعم، ثلاث حوائج: لا تعود إلي ثانية، ولا تشهد جنازتي، ولا تترحم علي.
فخجل عبد الصمد، وقام، فلما خرج، قال: والله لقد هممت أن لا أخرج إلا ورأسه معي
وعن أبي شهاب الحناط قال: بعثت أخت سفيان بجراب معي إلى سفيان، وهو بمكة، فيه كعك وخشكنان (1)، فقدمت، فسألت عنه، فقيل لي: ربما قعد عند الكعبة مما يلي الحناطين، فأتيته، فوجدته مستلقيا، فسلمت عليه، فلم يسائلني تلك المسألة، ولم يسلم علي كما كنت أعرفه، فقلت: إن أختك بعثت معي بجراب، فاستوى جالسا، وقال: عجل بها.
فكلمته في ذلك.
فقال: يا أبا شهاب ! لا تلمني، في ثلاثة أيام لم أذق فيها ذواقا، فعذرته.
وعن ابن حميد قال : سمعت مهران الرازي يقول: كتبت عن سفيان الثوري أصنافه، فضاع مني كتاب الديات، فذكرت ذلك له، فقال: إذا وجدتني خاليا فاذكر لي حتى أمله عليك.
فحج، فلما دخل مكة، طاف بالبيت، وسعى، ثم اضطجع فذكرته، فجعل يملي علي الكتاب، بابا في إثر باب، حتى أملاه جميعه من حفظه.
قال يحيى القطان: مات ابن أبي خالد وأنا بالكوفة، فجلس إلى جنبي
سفيان ننتظر الجنازة، فقال: يا يحيى ! خذ حتى أحدثك عن إسماعيل بعشرة أحاديث، لم تسمع منها بشئ، فحدثني بعشرة، وكنت بمكة، وبها الاوزاعي الليلة ؟ قلت: نعم.
فقال: اجلس، لا تبرح حتى أحدثك عنه بعشرة لم تسمع منها بشئ.
قلت: وأي شئ سمعت أنا منه ؟ فلم يدعني حتى حدثني عنه بعشرة أحاديث، لم أسمع منها بواحد.
وعن الفريابي قال: أتى سفيان بيت المقدس، فأقام ثلاثة أيام، ورابط بعسقلان أربعين يوما، وصحبته إلى مكة.
من أقوال سفيان
عن سفيان: قال: أحذر سخط الله في ثلاث: احذر أن تقصر فيما أمرك، واحذر أن يراك وأنت لا ترضى بما قسم لك، وأن تطلب شيئا من الدنيا فلا تجده، أن تسخط على ربك.
قال سفيان: الزهد زهدان: زهد فريضة، وزهد نافلة.
فالفرض: أن تدع الفخر والكبر والعلو، والرياء والسمعة، والتزين للناس.
وأما زهد النافلة: فأن تدع ما أعطاك الله من الحلال، فإذا تركت شيئا من ذلك، صار فريضة عليك ألا تتركه إلا لله.
عن أبو هشام: حدثنا وكيع: سمعت سفيان يقول: ليس الزهد بأكل
الغليظ، ولبس الخشن، ولكنه قصر الامل، وارتقاب الموت.
زعن يحيى بن يمان: سمعت سفيان يقول: المال داء هذه الامة، والعالم طبيب هذه الامة، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه، فمتى يبرئ الناس ؟
وعن سفيان قال: ما نعلم شيئا أفضل من طلب العلم بنية
قال سفيان: زينوا العلم والحديث بأنفسكم، ولا تتزينوا به.
وعن سفيان: ما وضع رجل يده في قصعة رجل إلا ذل له.
عن سفيان: قال: أحذر سخط الله في ثلاث: احذر أن تقصر فيما أمرك، واحذر أن يراك وأنت لا ترضى بما قسم لك، وأن تطلب شيئا من الدنيا فلا تجده، أن تسخط على ربك.
قال زيد بن الحباب: سمعت سفيان يقول: إن قلت: إني أحدثكم كما سمعت، فلا تصدقوني.
وعن سفيان قال: لو لم يأتني أصحاب الحديث لاتيتهم.
قال خلف بن تميم: سمعت سفيان يقول: من أحب أفخاذ النساء، لم يفلح.
وقال عبدالرحمن رسته: سمعت ابن مهدي يقول: بات سفيان عندي، فجعل يبكي، فقيل له.
فقال: لذنوبي عندي أهون من ذا - ورفع شيئا من الارض - اني أخاف أن أسلب الايمان قبل أن أموت.
وعن سفيان: السلامة في أن لا تحب أن تعرف.
وعن يوسف بن أسباط: سمعت الثوري يقول: ليس شئ أقطع لظهر إبليس من قول: لا إله إلا الله.
عن سفيان: وسئل: ما الزهد ؟ قال: سقوط المنزلة.
وعنه: قال: إني لالقى الرجل أبغضه، فيقول: كيف أصبحت ؟ فيلين له قلبي.
فكيف بمن آكل
طعامهم ؟.
وعن يوسف بن أسباط: سمعت سفيان يقول: ما رأيت الزهد في شئ أقل منه في الرئاسة، ترى الرجل يزهد في المطعم [ والمشرب ] والمال والثياب، فإن نوزع الرئاسة، حامى عليها، وعادى
وعنه قال : البدعة أحب إلى إبليس من المعصية المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منه
وعنه قال : طلبت العلم ولم يكن لي نية ثم رزقني الله النية.
وعنه قال : استوصوا بأهل السنة خيرا فانهم غرباء.
وقال : الإسناد سلاح المؤمن فمن لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل.
وقال : الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض.
محنه الامام
محنة الإمام سفيان الثوري ترجع في المقام الأول لوجوده في عصرين مختلفين وشهوده لقيام دولة وانهيار أخرى، ومعاينته للأهوال والملاحم التي وقعت خلال ذلك القيام والانهيار، فأثر ذلك في نفسيته بشدة، وكوَّن الإمام رؤيته وحكمه على الدولة الجديدة من خلال الفتن والملاحم التي وقعت، وجعلت الإمام يفر من أي علائق مع تلك الدولة ويرفض أي منصب تعرضه عليه السلطة الجديدة لاعتراضه الكامل عليها شكلاً وموضوعًا.
وُلد سفيان الثوري سنة 97هـ بالكوفة كما أسلفنا، ونشأ وترعرع وطلب العلم في عهد الدولة الأموية المجاهدة، وطاف البلاد ولاقى الشيوخ، ولما صار في سن الكهولة في الخامسة والثلاثين أي في سنة 132هـ وقع الزلزال الكبير في الأمة الإسلامية، وقامت الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية وذلك بعد سلسلة رهيبة من المعارك الطاحنة والمجازر المروعة، وكان إعلان قيام تلك الدولة في الكوفة نفسها ورأى سفيان الثوري ذلك كله، وكان وقتها قد صار من علماء الكوفة وشيوخها المعروفين، إليه يفزع الناس عند النوازل والمهمات طلبًا للفتيا والسؤال، وكان سفيان الثوري لا يرى الخروج على الأئمة ولو جاروا من باب درء الفتنة وارتكاب أخف الضررين من أجل دفع أعظمهما ومنع المفاسد العظيمة، ولكنه في الوقت نفسه يرى وجوب الإنكار على الملوك والأمراء والسلاطين والصدع بالحق مهما كان.
ومن أجل تلك الرؤية والفكرة تعرض الإمام سفيان الثوري للكثير من المحن والفتن، حيث طلبه خلفاء الدولة العباسية الواحد تلو الآخر وعرضوا عليه منصب القضاء ولكنه رفض بشدة وفر منهم فقضى شطر حياته الأخير طريدًا شريدًا لا يأويه بلد ولا صديق إلا ينتقل منه لآخر وهكذا.
محنته مع الخليفة أبي جعفر المنصور
قام الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بالضغط على الامام أبى حنيفة من أجل تولي منصب القضاء، فضربه وحبسه وتهدده
والإمام يرفض بكل شدة حتى مات قتيلاً في سجون المنصور، وبعد وفاة الإمام أبي حنيفة سأل المنصور عمن يلي الأمر،
فوصفوا له سفيان الثوري وأخبروه بأنه أعلم أهل الأرض، فأرسل في طلبه مرة بعد مرة، وسفيان يرفض القدوم عليه.
اشتد أبو جعفر المنصور في طلب سفيان الثوري، والثوري مصر على عدم تولي القضاء، حتى اضطر سفيان للخروج من
الكوفة إلى مكة، فأرسل المنصور في الأقاليم بمنادٍ يقول: من جاء بسفيان الثوري فله عشرة آلاف، فاضطر الثوري للخروج من
مكة إلى البصرة، وهناك عمل في حراسة أحد البساتين، ولنا أن نتخيل حجم المعاناة النفسية التي تعرض لها إمام العصر وهو
يستخفي من الناس، ويفر من مكان لآخر.
لم يلبث الثوري في البصرة كثيرًا حتى عرفه الناس وهموا به، فخرج منها إلى بلاد اليمن، وهناك تعرض الإمام لمحنة أشد
وأنكى، إذ اتهموه بالسرقة، وكان غير معروف في تلك البلاد البعيدة، ورفعوه إلى الوالي وهو الأمير معن بن زائدة وكان
مشهورًا بالدهاء والمروءة وكرم الأخلاق، فلما تكلم معه قال له: ما اسمك؟ قال سفيان: عبد الله بن عبد الرحمن، فقال معن:
نشدتك الله لما انتسبت؟ قال الثوري: أنا سفيان بن سعيد بن مسروق، قال الأمير معن: الثوري؟ قال: الثوري. قال معن: أنت
بغية أمير المؤمنين؟ قال: نعم، فأطرق ساعة، ثم قال: ما شئت فأقم، ومتى شئت فارحل، فوالله لو كنت تحت قدمي ما رفعتها.
طالت غربة الثوري وتشريده في البلاد أيام الخليفة المنصور، وهو يتنقل من مكان لآخر تارة بالعراق، وأخرى بالحجاز، وثالثة
باليمن، ثم قرر الثوري في النهاية أن يذهب إلى مكة حاجًا وعائذًا، وكان المنصور قد عزم على الحج في نفس السنة 158هـ،
وقد وصلت إليه الأخبار بأن الثوري بمكة، فأرسل إلى واليها يطلب منه القبض على الثوري وصلبه، وبالفعل نصبوا الخشب
وأخذوا في البحث عن الثوري لصلبه، فلما علم الثوري، قام وتعلق بأستار الكعبة وأقسم على الله عز وجل ألا يدخل المنصور
مكة، وبالغ في الدعاء والقسم، وبالفعل وقعت كرامة باهرة للثوري، إذ يمرض المنصور بقدرة الله عز وجل ويموت قبل أن
يدخل مكة، فعد ذلك من كرامات وبركات الثوري، وهي كرامة ثابتة لا حجة لمن ردها بسبب عدم فهم ألفاظها.
وكان السر وراء رفض الثوري للمنصب وإيثاره للفرار والتشرد في البلاد، أنه كان لا يصبر على أي منكر يراه، وكان يقول
عن نفسه: إذا رأيت منكرًا ولم أتكلم تبولت دمًا من شدة الكمد. وهو يعلم أنه سيرى كثيرًا من المنكرات ولا يستطيع أن يتكلم،
لذلك فضل الفرار والخوف والتشرد على أن يسكت على المنكر والباطل.
محنته مع الخليفة المهدي
ظن الإمام الثوري أن محنته قد انتهت بوفاة الخليفة المنصور فعاد إلى بلده الكوفة وبرز للناس وأخذ في التحديث والتدريس كما
هي العادة، ولكنه فوجئ بالخليفة الجديد وهو محمد المهدي بن الخليفة المنصور يستدعيه على وجه السرعة، فلما دخل عليه
دار هذا الحوار العجيب:
قال الخليفة المهدي: يا أبا عبد الله هذا خاتمي، فاعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة. قال الإمام الثوري: تأذن لي في الكلام يا
أمير المؤمنين، على أني آمن. قال المهدي: نعم. قال الثوري: لا تبعث إليَّ حتى آتيك، ولا تعطني حتى أسألك. فغضب المهدي
وهم أن يقع به، فقال له كاتبه: أليس قد آمنته؟ قال المهدي: نعم. ولكن اكتب إليه العهد بالقضاء، فكتبه وأعطاه للثوري رغمًا عنه.
خرج الثوري من عند الخليفة المهدي ومعه عهد القضاء مختومًا بخاتم الخليفة نفسه، فلما مر على نهر دجلة رمى العهد في
النهر، وكان معه أصحابه فنهوه ونصحوه بقبول القضاء والعمل بالكتاب والسنة، فسفه قولهم واستصغر عقولهم، ثم خرج هاربًا
إلى البصرة، واستخفى عند المحدث يحيى بن سعيد القطان، فلما عرف المحدثون أخذوا في التوافد إلى بيت يحيى القطان حتى
انكشف أمره، فخرج من البصرة إلى الكوفة واختبأ في دار عبد الرحمن بن مهدي.
اشتد الخليفة المهدي في طلب الإمام الثوري ووضع على رأسه جائزة مالية قدرها مائة ألف درهم، خاصة بعد أن عرف أن
الثوري قد ألقى كتاب عهده في النهر، وظل الثوري يفر من بلد لآخر وجنود الخليفة من ورائه لا يقدرون على الإمساك به،
وقضى الإمام العامين الأخيرين من حياته شريدًا طريدًا خائفًا، ومع ذلك لم يفكر للحظة واحدة أن يقبل المنصب، وسبحان الله
الإمام العلامة الذي هو أجدر الناس بالمنصب يفر منه ويتحمل كل هذه المحن والابتلاءات، وآخرون لا يزن الواحد منهم عند
الله عز وجل وعند الناس جناح بعوضة من علم يلهثون وراء أدنى المناصب بكل سبيل.
وفاته
قال ابن المديني: أقام سفيان في اختفاؤه نحو سنة وقال ابن المهدي
مرض سفيان بالبطن فتوضأ تلك الليلة ستين مرة حتى إذا عاين الأمر نزل عن فراشه فوضع خده بالأرض وقال: يا عبد
الرحمن ما أشد الموت ولما غمضته وجاء الناس في جوف الليل وعلموا وقيل: اخرج بجنازته على أهل البصرة بغتة فشهده
الخلق وصلى عليه عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر الكوفي بوصية من سفيان لصلاحه وكان موته في شعبان سنة احدى
وستين ومائة.
قال أبو أسامة: لقيت يزيد بن إبراهيم صبيحة الليلة التى مات فيها سفيان فقال لى: قيل لي الليلة في منامي: مات أمير المؤمنين،
فقلت للذي يقول في المنام: مات سفيان الثورى؟ قال: نعم.
قال يوسف بن أسباط: رأيت الثوري في النوم فقلت: أى الأعمال وجدت أفضل؟ قال: القرآن، فقلت: الحديث، فحول وجهه.
قال مصعب بن المقدام: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم آخذا بيد سفيان الثوري وهو يجزيه خيرا.
قال أبو سعيد الأشج: حدثنا إبراهيم بن أعين قال: رأيت سفيان بن سعيد فقلت: ما صنعت؟ قال: أنا مع السفرة الكرام البررة.
رحم الله امير المؤمنين في الحديث ، والله هذا لمقتطف بسيط من حدائق سيرته الغناء ، فسيره هذا الامام عطرة ، وكل ما تقرأ
في سيرته وترجمته تزداد حبا له ، ومجرد مطاعة ترجمته استفادة كما قال شيخنا الحويني " إن مجرد مطالعة سير الاعلام ،
تبعث على رفع الهمة ، وفيها الاستفادة الكثير "
رحم الله الامام ، والله لقد كان بابة في العلم ، ورع تقي ، يخاف ربه أيما خوف ويرجوه أيما رجاء .
اتمنى وادعو الله ان اكون قد وفقت في هذا الجمع النذير ، فلإنه غيض من فيض وقليل من كثير .
هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده ، وما كان من خطأ أو سهو فمنى ومن الشيطان .
والله الموفق إلى سواء السبيل ، وهو بكل جميل جدير وهو حسبنا ونعم الوكيل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته